تحليلات سياسية

وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع: الحقيقة التي لا تريد أمريكا الاعتراف بها

وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع هو المسمى الأدق الذي يجب أن يطلق على المؤسسة العسكرية الأمريكية، فالتاريخ الحديث يبرهن أن الولايات المتحدة ليست قوة تحتمي داخل حدودها بقدر ما هي قوة تهاجم وتخوض الحروب في كل القارات. إن الدفاع كلمة تحمل إيحاءات أخلاقية، لكنها لا تصمد أمام سجل مليء بالغزوات والتدخلات العسكرية التي تفرض واقع الهيمنة.

وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع: قراءة في التناقض

حين غيّرت الولايات المتحدة اسم “وزارة الحرب” إلى “وزارة الدفاع” عام 1949، كانت قد خرجت لتوها من الحرب العالمية الثانية، القوة العظمى الأولى، التي تحتاج إلى تحسين صورتها أمام الداخل والخارج. التغيير لم يكن اعترافاً بتحول في العقيدة العسكرية، بل كان خطوة دعائية تهدف إلى إخفاء الوجه الخشن للإمبراطورية الناشئة.

فالوزارة نفسها، التي يفترض أن تدافع عن الأراضي الأمريكية، لم تكتف يوماً بالجلوس داخل الحدود، بل اندفعت إلى آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، والشرق الأوسط. هذه المفارقة تجعل التسمية الحالية مضللة، وتجعل من المنطقي أكثر أن نتحدث عن وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع.

حرب فيتنام: البداية الفاضحة

تُعد حرب فيتنام (1955–1975) من أبرز الأمثلة على كون الولايات المتحدة دولة حرب. لم يكن هناك تهديد مباشر على الأراضي الأمريكية من قبل فيتنام، لكن واشنطن تبنّت خطاب “الدفاع عن الديمقراطية” ضد الشيوعية.

اقرأ أيضا : في ظهوره الأخير على برنامج This Week عبر شبكة ABC News، واجه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو حوارًا ساخنًا مع الإعلامية المخضرمة مارثا راداتز. اللقاء جاء في أعقاب قمة ألاسكا المثيرة للجدل، التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط تساؤلات حول مستقبل الحرب في أوكرانيا، ومكانة الولايات المتحدة في المشهد الدولي.

على مدار عشرين عاماً، استخدمت القوات الأمريكية النابالم، وقصفت الغابات، وقتلت الملايين، فقط لمنع انتصار قوة محلية لا تهدد أمنها المباشر. هذه الحرب أظهرت أن وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع توصيف أكثر دقة، لأنها لم تكن حرباً دفاعية، بل غزواً مكلفاً أنهك الداخل الأمريكي وأفقد واشنطن جزءاً كبيراً من مصداقيتها.

غزو العراق: الحرب التي عرّت الخطاب الدفاعي

عام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل. العالم كله يتذكر خطاب كولن باول في مجلس الأمن، الذي بُني على معلومات ثبت لاحقاً أنها خاطئة أو ملفقة. العراق لم يكن يهدد الأراضي الأمريكية، بل كان ضعيفاً ومحاصراً منذ حرب الخليج الأولى.

لكن تحت شعار “الدفاع عن الأمن العالمي” شُن الغزو. النتيجة: تدمير دولة بأكملها، مئات الآلاف من القتلى، وفوضى إقليمية ما زالت آثارها قائمة. لو كانت هذه الوزارة تُسمى وزارة الحرب، لما بدا الأمر صادماً، لكنه تحت اسم “وزارة الدفاع” بدا وكأنه تزوير للواقع.

هنا يتأكد أن المسمى الأنسب هو وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع، لأن الحرب كانت خياراً لا دفاعاً عن النفس.

أفغانستان: أطول حرب أمريكية

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، دخلت أمريكا أفغانستان بذريعة ملاحقة تنظيم القاعدة. لكن التدخل تحوّل بسرعة إلى احتلال كامل استمر 20 عاماً، انتهى بالانسحاب المذل في 2021.

المفارقة أن الولايات المتحدة، وهي أكبر قوة عسكرية في العالم، لم تستطع حسم حرب ضد مجموعات محلية مسلحة. لم تكن هذه الحرب دفاعية بحتة، لأنها تجاوزت الهدف المعلن وتحولت إلى إعادة تشكيل جيوسياسي لمنطقة كاملة.

إن الحديث عن “وزارة الدفاع” في هذا السياق يخفي حقيقة أن المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تكتفي بالدفاع، بل تتوسع وتهاجم وتبقى حتى تنهك. لذلك، فإن وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع يعكس بدقة أكبر طبيعة هذه العقيدة.

الحروب الأخرى: ليبيا وسوريا والانتشار العالمي

إلى جانب الحروب الكبرى، كانت هناك سلسلة من التدخلات:

  • ليبيا (2011): قصف الناتو بقيادة أمريكية أسقط النظام الليبي وترك فراغاً أمنياً كارثياً.
  • سوريا: تدخل غير مباشر، دعم فصائل مسلحة، واستهداف بنى تحتية، كل ذلك تحت شعار “الدفاع عن الشعب السوري”.
  • اليمن: دعم عمليات عسكرية عبر التحالفات الإقليمية، بينما لم يكن اليمن يوماً تهديداً لأمريكا.

إلى ذلك، تنتشر القواعد الأمريكية في أكثر من 70 دولة، من اليابان إلى ألمانيا مروراً بالخليج. هذا الانتشار لا يعكس سياسة دفاعية، بل يعكس قوة حرب عالمية دائمة الاستعداد.

لماذا لا تريد أمريكا الاعتراف بأنها وزارة حرب؟

  1. البعد الإعلامي: مصطلح “الدفاع” يمنح صورة إيجابية أمام مواطنيها والعالم.
  2. المصالح السياسية: يصعب تسويق الحروب إذا قُدمت باعتبارها هجوماً، بينما “الدفاع” يوحي بالشرعية.
  3. الهيمنة الناعمة: اللغة جزء من أدوات القوة الناعمة، وهي وسيلة لإخفاء حقيقة التوسع العسكري.

لكن مع تزايد وعي الشعوب وفضح الحقائق عبر الإعلام البديل، تتآكل مصداقية هذا المسمى يوماً بعد يوم.

ماذا يعني أن تكون هناك وزارة حرب بدلاً من وزارة دفاع؟

العودة إلى الاسم القديم ليست مجرد مسألة شكلية، بل:

  • اعتراف بالحقيقة: أن واشنطن قوة حرب، وليست قوة دفاع.
  • إعادة توازن الخطاب: لأنه يُجردها من المبررات الأخلاقية الزائفة.
  • تعرية السياسة: إذ يضع العالم أمام حقيقة أن الولايات المتحدة لا تكتفي بحماية حدودها، بل تصنع الحروب في كل مكان.

إن القول بأن المسمى الجديد يجب أن يكون وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع ليس مجرد رأي نقدي، بل توصيف واقعي مدعوم بتاريخ طويل من التدخلات العسكرية الأمريكية. الحروب في فيتنام والعراق وأفغانستان، والتدخلات في ليبيا وسوريا واليمن، وانتشار القواعد في كل أنحاء العالم، كلها شواهد تؤكد أن الدفاع لم يكن يوماً الهدف الأساسي.

فما دامت واشنطن تمارس دور المهاجم أكثر من دور المدافع، فإن “وزارة الحرب” هي الاسم الذي يعكس حقيقتها التاريخية والسياسية.


الأسئلة الشائعة (FAQ)

لماذا غيّرت الولايات المتحدة اسم وزارة الحرب؟
لأسباب سياسية وإعلامية لتجميل صورتها بعد الحرب العالمية الثانية وتسويق سياساتها عالمياً.

هل أمريكا تخوض حروباً دفاعية أم هجومية؟
الغالبية هجومية أو توسعية، كما في فيتنام والعراق وأفغانستان.

كم عدد القواعد الأمريكية في الخارج؟
أكثر من 700 قاعدة عسكرية موزعة في نحو 70 دولة.

هل يمكن أن تعود واشنطن لتسمية وزارة الحرب؟
من غير المرجح، لأن الاسم الحالي يخدم مصالحها السياسية والدبلوماسية، لكن الاسم الأدق هو وزارة الحرب.


اكتشاف المزيد من feenanoor

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مبارك أبو ياسين

مبارك أبو ياسين كاتب ومُدوِّن عربي يهتم بتحليل القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية من منظور إنساني عميق. يُعرف بأسلوبه السلس وقدرته على الربط بين الأحداث والواقع اليومي، ويكتب في مجالات متعددة تشمل الرأي، الإعلام، التحولات النفسية، والتعليم، واضعًا نصب عينيه تقديم محتوى احترافي، ثري، وذو طابع بشري يُلامس القارئ العربي.

يمكنك التعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى