ما الذي يمكن أن تقوله الكلمات عن غزة، أرضٌ باتت مرادفةً للدماء والدموع؟ ما الذي يمكن أن تعبر عنه الألسن أمام هول الفاجعة التي تعيشها هذه الأرض الطاهرة، والدماء التي تُسفك في كل زاوية؟ أطفال غزة، الذين يجب أن يكونوا أمل المستقبل، أصبحوا وقودًا لمحرقة لا تتوقف. كيف يمكن للعقل أن يستوعب هذا الجنون الذي يُمارس في حقهم؟ كيف يمكن للقلب أن يتحمل أن يُقتل الصغار بدم بارد، في ظل صمتٍ عربي غير مبرر، وغيابٍ تام للإنسانية؟
لقد أصبح العدوان على غزة أكثر من مجرد حرب. هو إبادة جماعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أطفال يقتلون بدم بارد، وبيوت تُدمّر فوق رؤوس ساكنيها، وأشلاء متناثرة في كل مكان. والأنكى من ذلك، أن العالم بأسره يشاهد هذا المشهد البشع، ولكن لا أحد يتحرك. لا أحد يشهر سيفه في وجه المعتدي. إنها مأساة لا تُصدق، تُكتب كل يوم بدموع الأم الفلسطينية، وصرخات الأب المكلوم على فلذات كبده.
وفي وسط هذا الكابوس الذي لا ينتهي، تقف الأنظمة العربية في موقف المتفرج. أين هي الجيوش التي تتغنى بها الأنظمة الخليجية؟ أين هي العزائم التي تتبجح بها حكومات تُدعي قوتها، بينما غزة تُمزّق في صمت؟ هل يتصورون أن الأموال التي يملكونها ستُعطيهم براءةً من هذا العار التاريخي؟ هل سيكفيهم فقط أن يبنوا قصورًا من الذهب بينما أطفال غزة يموتون من الجوع والدمار؟ هل هناك عذر لما يحدث في فلسطين؟ هل هناك مبرر لكل هذا القتل؟
حكام الخليج الذين يُفترض بهم أن يكونوا حماة الأمة، لا يجدون وقتًا أو جهدًا لمساعدة غزة، لكنهم يجدون دائمًا وقتًا لتقديم العون للأعداء، وتبني سياسات تدمير شعوبهم بدلاً من دعم قضيتهم العادلة. أين هي الجيوش التي يتحدثون عنها؟ أين هي الأسلحة التي يمتلكونها؟ هل من المستحيل أن يقفوا في وجه هؤلاء المعتدين الذين يواصلون ارتكاب الجرائم على مرأى من العالم؟ أليس من المفترض أن ترفع هذه الأنظمة العربية راية المقاومة، وتكون في طليعة المدافعين عن أرض فلسطين؟
ولكن، بدلاً من ذلك، هم يقفون في جانب المتفرج، ويستمرون في عبثهم وصمتهم المخجل. في الوقت الذي تدمر فيه غزة، ويستمر الدم في إغراق شوارعها، تقوم الأنظمة العربية بغسل يديها من هذه المأساة. إنهم يرفعون شعارات التضامن و"الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني"، بينما في الحقيقة، هم فقط يهدرون الوقت، ويزيدون من مرارة العيش على من يعانون في غزة.
لقد بات من المؤلم أن نعيش في عصرٍ تُقتل فيه البراءة وتُفنى فيه الطفولة في غزة، بينما الحكام العرب يكتفون بالتصريحات الفارغة، ويشيدون بأبراجهم وحساباتهم البنكية في الخارج. أين هي العزة؟ أين هي الكرامة؟ إذا كانت جيوشكم عاجزة عن حماية شعبكم في فلسطين، فما الذي تعنيه قوتكم؟ إذا كانت هذه الجيوش لا تستطيع نصرة الحق، فما الجدوى من كل تلك الأموال والأسلحة؟
لا يمكن أن يكون هناك عذر لما يحدث. لا يمكن للعالم أن يتخلى عن غزة، كما لا يمكن للعرب أن يستمروا في صمتهم المخزي. إن التاريخ لن يرحم من خانوا هذا الشعب الجريح. إن غزة، في النهاية، ستظل نبراسًا يضيء الطريق للأحرار، وستظل فلسطين حية في قلوب الأبطال الذين لا يعترفون بالخذلان.
لكم الله يا أهل غزة، ولنا في قلوبنا الأمل رغم الحزن.