لطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في السياسة الأمريكية، حيث تلعب الإدارات الأمريكية المتعاقبة دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومع ذلك، عندما جاء دونالد ترامب إلى الحكم عام 2016، لم يكن متوقعًا تمامًا إلى أي مدى سيتخذ مواقف غير مسبوقة بشأن هذه القضية الحساسة. فبينما كانت الإدارات الأمريكية السابقة تحافظ على نوع من التوازن النسبي، جاء ترامب ليقلب الطاولة، متخذًا خطوات لم يكن الكثيرون يتوقعونها، سواء من الفلسطينيين أو حتى من القادة العرب أنفسهم.
ترامب والقضية الفلسطينية: قرارات غير مسبوقة
خلال فترة حكمه، اتخذ ترامب عدة قرارات أثرت بشكل جذري على القضية الفلسطينية، وكان أبرزها:
-
الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل 🏛️: في ديسمبر 2017، أعلن ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو قرار لم يجرؤ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذه. كما أمر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مما أثار غضبًا عربيًا ودوليًا واسعًا.
-
وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية 💰: عمد ترامب إلى قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين.
-
صفقة القرن 📜: في يناير 2020، كشف ترامب عن خطته المسماة "صفقة القرن"، والتي منحت إسرائيل سيطرة شبه كاملة على القدس، وشرّعت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مقابل وعود غير واضحة بإقامة دولة فلسطينية مجزأة وضعيفة.
هذه الخطوات لم تكن مجرد تصريحات دبلوماسية، بل كانت تحولات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، جعلت ترامب يبدو وكأنه رئيس أمريكي يخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مطلق، دون أي اعتبار للجانب الفلسطيني.
هل كان الحكام العرب مستعدين لهذه التحولات؟
الحقيقة أن مواقف الحكام العرب تجاه القضية الفلسطينية تراوحت بين الاستنكار الإعلامي والخذلان السياسي، دون اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة سياسات ترامب. ومع ذلك، فإن ردود الفعل كانت متباينة:
- دول أبدت رفضًا صوريًا: خرجت العديد من الدول العربية ببيانات شديدة اللهجة، تندد بقرارات ترامب، لكن دون اتخاذ أي إجراءات حقيقية لوقف هذه السياسات أو عرقلتها دبلوماسيًا.
- التطبيع بدل المواجهة: في الوقت الذي كان من المتوقع أن تتخذ بعض الدول موقفًا حازمًا، فضّلت دول عربية مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب المضي قدمًا في توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فيما عُرف بـ"اتفاقيات أبراهام".
- دول حافظت على موقفها التقليدي: مثل الجزائر والكويت، اللتين رفضتا التطبيع وواصلتا دعم القضية الفلسطينية، لكن دون تأثير فعلي على مجريات الأمور.
هل يمكن أن تتحد الدول العربية ضد سياسات ترامب؟
رغم أن سياسات ترامب أثبتت أنها تعمل لصالح إسرائيل بشكل غير مسبوق، إلا أنها في نفس الوقت كشفت مدى تباعد المواقف العربية، وعجز الحكام العرب عن تبني استراتيجية موحدة. ومع ذلك، هناك سيناريوهات قد تدفع إلى نوع من التكتل العربي ضد السياسات الأمريكية، أبرزها:
1. المخاطر التي تهدد الدول العربية نفسها
رأينا كيف أن الدعم غير المشروط من إدارة ترامب لإسرائيل لم يتوقف عند فلسطين، بل امتد ليشمل تهديدات مباشرة لبعض الدول العربية. على سبيل المثال، التهديدات الإسرائيلية المتزايدة للأردن فيما يتعلق بمشروع "الوطن البديل"، ومحاولات الضغط على مصر لقبول توطين الفلسطينيين في سيناء، كل هذا قد يُجبر الدول العربية على اتخاذ موقف موحد لحماية أمنها القومي.
2. صعود قوى إقليمية منافسة
مع تغير الخريطة الجيوسياسية، يمكن للدول العربية أن تجد نفسها أمام خيارات جديدة، مثل تعزيز التعاون مع الصين وروسيا، بدلًا من الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة. هذه الديناميكية قد تجبر الحكومات العربية على إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية، وربما اتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه القضية الفلسطينية.
3. تأثير الشعوب والضغوط الداخلية
لا يمكن تجاهل أن الشعوب العربية لا تزال ترى في القضية الفلسطينية قضية مركزية، رغم محاولات بعض الأنظمة إبعادها عن الاهتمام العام. ومع استمرار الاضطرابات في المنطقة، قد يفرض الرأي العام ضغطًا على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تجاه إسرائيل والولايات المتحدة.
هل يمكن أن تؤدي التغيرات السياسية إلى تحالف عربي جديد؟
رغم أن ترامب غادر البيت الأبيض، إلا أن سياساته تركت أثرًا طويل الأمد في المنطقة. ومع التغيرات الجارية في المشهد السياسي العالمي، قد تجد الدول العربية نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم تحالفاتها. فمن الممكن أن تدفع التحديات المشتركة، مثل التوسع الإسرائيلي، والأزمات الاقتصادية، والتدخلات الخارجية، إلى نوع من التقارب العربي، ولو بشكل محدود، لمواجهة الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
لم يكن متوقع ولا في الحسبان مطلقاً
لم يكن موقف ترامب بشأن القضية الفلسطينية متوقعًا بالكامل، لكنه كشف عن حقيقة لطالما كانت قائمة: أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، بغض النظر عن العواقب. والأهم من ذلك، أن الحكام العرب لم يكونوا على مستوى الحدث، حيث تعاملوا مع هذه التغيرات بسياسات غير مدروسة، فوجدوا أنفسهم في موقف المتفرج، بينما كانت فلسطين تُباع قطعة بعد قطعة.
ومع أن فرص التوحد العربي ضد سياسات ترامب ضئيلة، إلا أن المتغيرات الإقليمية قد تخلق واقعًا جديدًا يجبر الحكومات العربية على اتخاذ مواقف أكثر حسمًا، سواء كان ذلك لحماية أمنها القومي، أو بسبب ضغوط شعبية، أو نتيجة تغيرات في موازين القوى العالمية. في النهاية، تبقى القضية الفلسطينية محكًا أساسيًا لاختبار مدى قدرة العرب على مواجهة التحديات الكبرى، وإعادة رسم خريطة التحالفات السياسية في المنطقة.