يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تتواصل عمليات القصف والدمار، ويُدفع سكانه قسرًا نحو التهجير في مشهد يعيد للأذهان أزمات التهجير التاريخية التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني. ورغم التحذيرات الدولية والمخاوف من تبعات هذا التهجير، إلا أن الواقع على الأرض يُشير إلى مخطط واضح لتفريغ القطاع من سكانه، وسط صمت عربي رسمي، بل ومواقف متواطئة من بعض الدول المجاورة.
الواقع المأساوي في غزة
منذ اندلاع العدوان الأخير، يعيش سكان غزة في ظروف لا تُطاق، حيث القصف المستمر، وانقطاع الخدمات الأساسية، وندرة الغذاء والدواء. والآن، تتسارع الأحداث مع تصاعد الحديث عن مخططات لترحيل السكان إلى سيناء أو إلى مناطق أخرى، في ظل دعم أمريكي-إسرائيلي لهذه السياسات.
مصر والأردن: خذلان في اللحظة الحاسمة
لا يمكن الحديث عن كارثة غزة دون التطرّق إلى مواقف الجوار العربي، وتحديدًا مصر والأردن، اللتين كان بإمكانهما لعب دور أكثر فاعلية في وقف العدوان. فحين كانت الحرب مشتعلة، لم تُحرّك الدولتان ساكنًا، ولم تستخدم أي منهما أوراق الضغط التي تمتلكانها، بل على العكس، بدا واضحًا أن هناك نوعًا من التواطؤ الضمني مع المخطط الإسرائيلي لإضعاف غزة وحركة حماس.
- مصر، التي تملك السيطرة على معبر رفح، أبقت المعبر مغلقًا لفترات طويلة، ولم تتدخل بجدية للضغط على الاحتلال لوقف القصف الوحشي.
- الأردن، رغم مواقفه الدبلوماسية التقليدية، لم يمارس أي ضغط حقيقي، ولم يتخذ خطوات فعلية لمنع استمرار العدوان أو التهجير.
بل إن هناك دلائل على أن بعض الجهات في البلدين كانت ترى في إضعاف حماس مصلحة سياسية لها، ظنًا بأن ذلك سيؤدي إلى استقرار داخلي أكبر، متناسية أن غزة تمثّل خط الدفاع الأول أمام التوسّع الإسرائيلي.
دارت الدائرة.. تهديدات لمصر والأردن
اليوم، يتغيّر المشهد، وتُصبح مصر والأردن هدفًا للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بملف تهجير الفلسطينيين. فبعد أن ظنّت العاصمتان أن النيران لن تصل إليهما، إذا بهما تجدان نفسيهما في قلب العاصفة، حيث تواجهان تهديدات مباشرة:
-
مصر: تواجه القاهرة ضغوطًا غير مسبوقة للموافقة على إقامة مناطق سكنية دائمة للفلسطينيين في سيناء، وهو أمر يرفضه الشعب المصري، لكنه يُطرح بقوة على طاولة المفاوضات الدولية، ويبدو أن هناك محاولات لإجبار مصر على القبول تحت ذرائع مختلفة.
-
الأردن: يواجه تهديدًا مشابهًا، حيث يتزايد الحديث عن توطين الفلسطينيين في المملكة كحل "نهائي" للصراع، وهو ما يهدد التوازن الديموغرافي والسياسي للأردن. والأخطر من ذلك، أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، ومعها حكومة نتنياهو، تُروّج لمخططات من شأنها أن تجعل الأردن في مواجهة واقع جديد لا يمكن التراجع عنه.
خذلان غزة ارتدّ على الجيران
ما يجري اليوم ليس سوى نتيجة طبيعية لخذلان غزة يوم كانت تحت النار. فعندما كانت إسرائيل تمارس القصف العشوائي وتهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، لم تُحرك القاهرة وعمان ساكنًا، بل كان هناك تأييد ضمني لفكرة تحجيم المقاومة الفلسطينية. واليوم، دارت الدائرة، وأصبحت هذه الدول هي التي تواجه الضغوط، وكأن غزة تقول لهم: "ما كنتم تخشونه على أنفسكم، وقعتم فيه بسبب تخاذلكم".
الوضع الراهن
الوضع الراهن يُعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد مسألة تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي مسألة تمس الأمن القومي العربي برمته. وما لم تتحرك الدول العربية بشكل جاد وفعّال، فإن الدور قادم على الجميع، وستجد كل دولة نفسها أمام ضغوط تجعلها عاجزة عن حماية أمنها وسيادتها. لقد آن الأوان لأن تعي الدول العربية الدرس، وأن تدرك أن ترك غزة وحدها في مواجهة العدو لم يكن فقط خذلانًا، بل كان خطأً استراتيجيًا سيدفع الجميع ثمنه.