ملك الغابة والجشع الذي لا ينتهي

في أعماق غابة مترامية الأطراف، حيث تتشابك الأشجار ويعلو صوت الطيور كأنها سيمفونية الطبيعة، كان هناك ملك جديد يُعرف باسم ملك الغابة.
لم يكن هو الحاكم الأول، فقد ورث عرش الغابة عن أسرته التي تناوبت على الحكم عبر الأجيال، لكنه كان مختلفًا عن أسلافه: جشعه لا يعرف حدودًا، وطمعه لا يرضى بالقليل.
قرر ملك الغابة الاستحواذ على كل خيرات الغابة: أشجار الفاكهة، الأنهار المتدفقة، الأعشاب الغضة، وحتى الهواء الذي يتنفسه كل كائن حي. أصدر قوانين صارمة على المسؤولين، من الثعالب الذكية إلى الغزلان الحكيمة، تلزمهم بإحصاء كل الموارد وتقديم تقارير مفصلة له كل يوم. كان يريد السيطرة الكاملة، وكأن الغابة ملكه وحده، والآخرون مجرد أرقام في دفاتره.
الحيوانات الصغيرة تحت وطأة جشع ملك الغابة
كانت الأرانب والسناجب والطيور الصغيرة تعيش في خوف دائم. كانوا يحلمون بلقمة عيش بسيطة، لكن كل يوم يمر كانت القوانين الصارمة والتقارير اليومية تحجب عنهم الطعام والحرية. حتى الأشجار التي كانت تمنح الظل والثمار أصبحت جزءًا من حسابات ملك الغابة، وكأن الطبيعة نفسها أصبحت مجرد أرقام على ورق.
حيوانات كانت من الغابة وخرجت
خارج الغابة، كانت هناك مجموعة من الحيوانات التي عاشت سابقًا تحت حكم الأسرة الملكية نفسها، لكنها فضلت الحرية على القيد. كانت ثعالب ماكرة، طيور مهاجرة، وبعض القرود الذكية. هذه الحيوانات لم تنسَ الظلم الذي عاشته، وظلت تحرض ضد النظام الملكي، مُذكرة الجميع بأن الحكم في هذه الأسرة موروث، وأن الطمع غالبًا ما يكون جزءًا منه.
قالت ثعلبة حكيمة، وهي تجمع الحيوانات الخارجية حول نار المخيم:
– “حتى ملك الغابة لا يستطيع إسكات القلوب. علينا أن نرسل رسائل تحرك بها روح المقاومة.”
رد طائر مهاجر:
– “حتى أصغر صوت يصل إلى من هم محاصرون داخل الغابة، وسيعرفون أن الحرية ممكنة رغم جشع ملك الغابة.”
المواجهة الأولى: شجاعة الأرانب
في داخل الغابة، اجتمعت الأرانب والسناجب والطيور الصغيرة في قلب الغابة، لتتحدث عن معاناتها:
– قالت أرنبة صغيرة: “كل يوم تمر الموارد، وكل يوم نحلم بلحظة بسيطة من الطعام، لكن ملك الغابة منشغل بالأرقام.”
– أجابت سنجوبة: “والمسؤولون؟ منشغلون بالتقارير. حتى النهر الذي كنا نشرب منه أصبح جزءًا من دفاتر ملك الغابة!”
حينها ظهر ملك الغابة على صخرة ضخمة يطل على الجميع، قائلاً بغضب:
– “أنتم ضعفاء! كل شيء ملكي، ولا حق لكم في أي شيء!”
ردت أرنبة شجاعة بصوت مرتفع:
– “قد تكون القوانين لك، لكن القلوب ليست ملكك، ملك الغابة!”
خطة الثعلب المحرض الخارجي
الثعالب الذكية من الخارج بدأت ترسل رسائل مشفرة للحيوانات الداخلية، تعلمهم كيفية مشاركة الطعام، حماية الأشجار الصغيرة، وإخفاء بعض الموارد عن أعين ملك الغابة. قالت ثعلبة:
– “الوحدة هي قوتكم. إذا تعاونتم، يمكنكم إعادة التوازن للغابة. لا تنتظروا ملك الغابة ليقدم الخير، اصنعوه بأنفسكم.”
بدأت الحيوانات الداخلية تدريجيًا بتنفيذ الخطة، فأخفوا الحبوب والفواكه، وزرعوا الأشجار الصغيرة في أماكن مخفية، ووزعوا الطعام على من هم أضعف، بعيدًا عن أعين ملك الغابة.
تصاعد الصراع
مع مرور الأيام، بدأ تأثير الحيوانات الخارجية يظهر. بعض المسؤولين بدأوا يتساءلون عن العدالة وعن سبب جشع ملك الغابة. حاول الملك زيادة سلطته، لكنه بدأ يشعر بأن المقاومة تنمو شيئًا فشيئًا داخل الغابة.
في إحدى الليالي، اجتمعت الحيوانات الصغيرة حول النار في قلب الغابة، وتبادلت القصص عن الحرية والشجاعة. قالت أرنبة شجاعة:
– “رغم كل ما يفعله ملك الغابة، لن نخاف. نحن نملك الحياة والحق، وهذا لا يستطيع أحد أن يسلبه منا.”
المواجهة الكبرى: الملك يواجه الغابة
في صباح مشرق، اجتمعت كل الحيوانات الداخلية والخارجية عند شجرة بلوط عملاقة، لتواجه ملك الغابة. الأسد، ملك الغابة، هتف بغضب:
– “كيف تجرؤون على تحدي سلطتي؟ كل شيء هنا ملكي!”
لكن الثعالب والطيور المهاجرة ردت بحزم:
– “الغابة ليست ملكك وحدك، ملك الغابة! الحياة والحرية لكل من يعيش هنا!”
وقفت الأرانب والسناجب، وبدأت تصدح بأصواتها، موحدة مع الطيور والقرود:
– “لن نخاف من جشعك! لن نخاف من طمعك! نطالب بحقنا في الحياة!”
نهاية مفتوحة: أمل الغابة
رغم قوة ملك الغابة وسيطرته، بدأ قلبه يهتز أمام هذه الوحدة غير المتوقعة. لم يكن يملك القوة على السيطرة على إرادة كل هذه الأرواح الصغيرة والكبيرة معًا. الغابة تعلمت درسًا عظيمًا: أن الجشع والطمع لا يخلق العدالة، وأن القوة الحقيقية ليست في الملكية أو السيطرة، بل في حماية كل كائن والحفاظ على توازن الحياة.
القصة لم تنتهِ بعد؛ فالأمل بقي مشتعلاً في قلب الغابة، وكل شجرة وكل جدول وكل حيوان صغير يحمل شعلة تقول: الحرية والعدالة لا تُشترى، ولا تُسجن، مهما علا الجشع، ومهما كانت السلطة موروثة من الأجيال السابقة.
حتى أصغر الأرنب أو الطائر يستطيع أن يكون شرارة التغيير، وتظل الغابة حية، نابضة بالأمل والصمود، تنتظر يومًا يزدهر فيه كل كائن، بعيدًا عن طمع ملك الغابة.
اكتشاف المزيد من Feenanoor
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.