خلافات درزية جديدة تفتح الباب أمام انقسامات داخلية قد تعيد رسم المشهد السياسي

خلافات درزية جديدة تزداد حدتها وسط غياب قيادة موحدة، ما يهدد بتشظي الموقف السياسي وفتح ثغرات في جدار التوازنات المحلية.
الخلافات الدرزية تتعمق وتغيّر شكل المعادلات السياسية
الخلافات داخل الطائفة الدرزية، التي لطالما عُرفت بوحدتها وتماسكها الداخلي، بدأت تأخذ منحى أكثر تعقيدًا في الفترة الأخيرة، مع تصاعد التباينات في الرؤى والمواقف بين الزعامات التقليدية والوجوه الجديدة التي تطمح إلى تغيير قواعد اللعبة.
هذه التباينات لا تعكس فقط صراعًا على النفوذ، بل تعبّر عن تحولات أعمق في المزاج الشعبي والتموضع الإقليمي للطائفة، وسط خريطة سياسية متحركة. المشهد بات أكثر تشظيًا، خاصة في ظل غياب مشروع موحد يعبر عن هموم الطائفة خارج الإطار التقليدي للولاء التاريخي.
في الوقت الذي تسعى فيه بعض القيادات الدرزية إلى تعزيز التفاهمات مع القوى المركزية من أجل الحفاظ على النفوذ، تجد أطراف أخرى في هذا الخيار تنازلاً عن مطالب القاعدة الشعبية التي تعاني من تهميش سياسي واقتصادي في مناطق النفوذ الدرزي.
اقرأ أيضا : رد سوريا على الهجوم الإسرائيلي في السويداء
صراع الأجيال داخل البيت الدرزي: رمزية الماضي أمام واقعية الحاضر
واحدة من أبرز تجليات الخلافات الدرزية الحالية هي ما يمكن تسميته بـ”صراع الأجيال السياسي”. فبينما ما تزال القيادات التاريخية تحتكم إلى خطاب يرتكز على مفاهيم الولاء والانتماء إلى مؤسسات الدولة أو الأحزاب التقليدية، ترى شريحة الشباب أن هذه الخطابات لم تعد تعبّر عنهم أو عن واقعهم.
الجيل الجديد، المتمرس في أدوات التواصل والإعلام، بدأ في فرض أجندته الخاصة، مطالبًا بإصلاحات داخلية، تمثيل أوسع، وحرية أكبر في اتخاذ القرار السياسي، بعيدًا عن الإملاءات التي كانت تُمارس سابقًا تحت مظلة “الطاعة الطائفية”.
هذه الديناميكية الجديدة تهدد بتفكك البنية التقليدية للقرار داخل الطائفة، وتجعل الساحة الدرزية مهيأة لتحولات داخلية قد تفتح الباب أمام موجة صراع على القيادة، أو ربما انشقاقات تدفع بها أطراف خارجية لاستغلالها.
الخلافات الدرزية تتشابك مع صراعات إقليمية
ما يجعل هذه الخلافات أكثر خطورة هو تشابكها مع ملفات إقليمية شديدة الحساسية. فبعض الزعامات الدرزية باتت تتلقى دعماً من قوى خارجية تسعى لاستخدام الطائفة كورقة ضغط أو تفاوض ضمن أجندات أوسع.
من جهة، هناك أطراف إقليمية تحاول دفع بعض القيادات إلى موقع المعارضة الصريحة للسلطة المركزية، بينما تسعى أطراف أخرى إلى توظيف التوتر الداخلي ضمن استراتيجية لإعادة تشكيل الاصطفافات داخل البلد.
في ظل هذا التداخل بين المحلي والإقليمي، تفقد الخلافات الدرزية طابعها المحلي البحت، وتصبح جزءًا من لعبة معقدة، يدفع ثمنها أبناء الطائفة الذين يجدون أنفسهم ممزقين بين الولاء التقليدي ومطالب الحداثة والتغيير.
الفراغ القيادي يولّد فوضى خطابية ومزايدات سياسية
غياب المرجعية الموحدة للطائفة أتاح الفرصة لتعدد الأصوات، وتنوع الأجندات، بل وحتى تصاعد الخطاب الشعبوي الذي يسعى لاستقطاب الجمهور على حساب وحدة الصف. تحوّلت بعض المنابر إلى ساحات لتبادل الاتهامات بدلًا من أن تكون أدوات لعرض الحلول.
هذا الفراغ القيادي فتح الباب أيضًا أمام بروز زعامات فرعية تحاول رسم طريقها عبر الاصطفاف مع تيارات متباينة، مما زاد من تفكك الموقف السياسي العام للطائفة، وساهم في خلق بيئة تفتقر إلى وضوح الرؤية والاتساق الاستراتيجي.
مخاطر تهميش الطائفة من المعادلات الكبرى
مع تصاعد وتيرة الخلافات الدرزية، بدأت الطائفة تخسر تدريجياً وزنها السياسي في المعادلات الوطنية. إذ لم تعد الأطراف المركزية تنظر إليها كمكوّن موحّد يمكن الاعتماد عليه، بل ككتلة مُربكة يصعب التفاهم معها ضمن إطار واحد.
هذا التهميش، إن استمر، قد يفضي إلى تقليص حجم التمثيل الدرزي في الحكومات أو المؤسسات السيادية، أو حتى تجاهل مطالبها في التعديلات التشريعية أو التقسيمات الإدارية، وهو ما يعني نهاية النفوذ التقليدي للطائفة الذي بُني على وحدة الموقف واستقرار القيادة.
هل تعيد الخلافات الدرزية صياغة مفهوم الزعامة؟
السؤال المحوري في ظل هذا المشهد هو: هل نحن أمام نهاية “الزعامة الواحدة” التي لطالما حكمت البيت الدرزي؟ أم أننا على أعتاب نشوء نموذج سياسي جديد أكثر تعددية وتنوعًا؟
في كلتا الحالتين، يتعين على الفاعلين السياسيين داخل الطائفة أن يعوا خطورة اللحظة. فالخلافات، إن لم تُدار بحكمة، قد تتحول إلى صراعات دامية تهدد السلم الأهلي والمكانة السياسية للطائفة، وتفتح الباب أمام تدخلات خارجية أو حتى انقسامات داخلية يصعب احتواؤها لاحقًا.
الأسئلة الشائعة حول الخلافات الدرزية الجديدة
ما أبرز أسباب الخلافات الدرزية الحالية؟
تتمثل الأسباب في التنافس على الزعامة، وتباين المواقف تجاه الدولة، واختلاف رؤى الأجيال حول مستقبل الطائفة، إضافة إلى تدخلات خارجية.
هل تؤثر هذه الخلافات على وحدة الطائفة؟
نعم، الخلافات تضعف وحدة الصف وتُفقد الطائفة وزنها السياسي الموحد، ما يجعلها عرضة للتهميش في المشهد الوطني.
ما موقف الجيل الشاب من القيادة الدرزية التقليدية؟
الجيل الجديد يطالب بالإصلاح والتمثيل والابتعاد عن الولاءات القديمة، ويسعى لفرض مشروعه السياسي الجديد بعيدًا عن الزعامات الوراثية.
هل هناك خطورة من انزلاق الخلافات إلى صراع مسلح؟
حتى الآن تبقى الخلافات سياسية وإعلامية، لكن غياب الحلول وتفاقم الانقسامات قد يفتح المجال أمام صدامات محلية، خاصة في ظل ضعف الضوابط الداخلية.
ما المطلوب لتجاوز هذه الخلافات؟
إعادة فتح قنوات الحوار بين الأطراف، تأسيس مرجعية تشاركية، إشراك الشباب، والتحرر من الولاءات الإقليمية التي تؤجج الانقسام.
اكتشاف المزيد من feenanoor news
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.